الأحد، 16 سبتمبر 2012

أوفيليا



استيقظت مبكرة على غير العادة. يملأها النشاط. وجهها الملائكي متورد. إرتدت أجمل فساتينها التي لم ترتديه من قبل وتوشحت بأغلى الثياب مزينة بجواهرها كاملة فتحت ستائر الشرفة فكأنما الشمس أشعت من داخل عينيها وقطفت وردة بنفسجية زرعتها بجدائل شعرها المنساب على خصرها.
خرجت مع أمها وذهبت للقصر الملكي. كل من بالقصر يرحب بها. بداية من الوصيفات حتى الملكة. تشعر وكأن أزهار القصر تتفتح عندما يمر نسيمها بها.
دخلت للقاعة الملكية وجلست بجوار الملكة كما كانت الدعوة. دقائق وطرق الخادم اجراس القاعة. دخل فرسان المملكة بزيهم الحربي وعلامتهم الدانماركية المميزة. بدأ النزال. فاليوم عيد المملكة وهذا هو العرف. إحتدم النزال بين هوراشيو من جهة والفارس الملثم من جهة أخرى. ها هما يطيحون بمن ينازلهم حتى جاء الدور ليبارزا بعضهم البعض. الجميع يعرف من هوراشيو والجميع يصفق له ويحيه بينما تتعلق أنظار أوفيليا الجميلة بالفارس الملثم.
 نعم عرفته.. هاملت رمز الدولة ومستقبلها وخيرة شبابها. ولي العهد الأكثر معرفة وعلما وأخلاقا ليس في المملكة فقط. عيناها ترصده وهو يهجم فهي تحفظ خطواته جيدا. تجفل عيناها عندما ينقض عليه هوراشيو تلاحظ الملكة ذلك على أوفيليا وتتساءل في خبث أين هاملت فيتورد وجه اوفيليا وتضيء عيناها بلمعة حبٍ.
تضحك الملكة وتلمح لأم الفتاة عن نيتها بخطبة أوفيليا لهاملت. كانت أوفيليا منشغلة بالنزال لا تدري ما يدور وفور انتهاء النزال وقفت مهللة لهاملت الذي يكشف عن وجهه. هاملت تقدم وأمسك بساعد هوراشيو ليساعده على النهوض ويشكره لأنه لم يتهاون في نزاله كما يفعل كثير ممن المملكة كنوع من المجاملة الرديئة. ينهض هوراشيو فيلتفت هاملت باحثا عن شيء ما بالقاعة و إذ بأوفيليا تتحرك نازلة على درج القاعة وتخرج لحدائق القصر فيتبعها.
 قطف الأمير وردة حمراء مقتربا من الفتاة بينما تشعر به يتعقبها فتتحرك في خجل في مشهد أقرب لرقصة إسبانية. نظرت له أوفيليا واستدارت مخفية كل شوقها إليه بينما هو يحادثها بعينيه وبدأ يصارحها بمشاعره فصدته ونظرت له نظرة شاحبة حيث لا يظهر بها انعكاس لنور الشمس كما لو كانت جالسة في ظلمة. ربما كانت تصف له حالها وشوقها إليه دون كلام أو ربما أخفت حالة من السعادة والحب ظنت أن إعترافها بها سيضعفها أمامه.
تمر الأيام ويكبر حب أوفيليا لهاملت في الخفاء بينما يزداد تعلقه هو وعذابه بحبها الذي تقابله بإزدراء. يوم بعد يوم تحضر أوفيليا للقصر ويحادثها هاملت بطيب الحديث ويهديها أفضل ما وصل إليه خلال أسفاره من جواهر ومصنوعات أقرب للعجائب.
يمر الزمن هكذا حتى جاءت حادثة موت الملك وتبدل حال الأمير ولي العهد وبدا كمن به جن. تحاول أوفيليا أن تعرف ما أصاب حبيبها ولكنه صامت شارد الوجدان.
شحبت أوفيليا واصفر وجهها الوردي من حزنها وشوقها لهاملت. لا تتجرأ أن تذهب لتحادثه إما خجلا أو خوفا أن يكون قد تغير قلبه. وقفت تصلي حتى تعينها السماء وقبل أن تتم صلاتها دخل عم هاملت من توُّج ملكا وأبيها يطلبان منها أن تتحدث لهاملت لتعرف سر حزنه.
أمرها عمه أن تواصل قراءاتها وصلاتها بالقاعة الملكية منفردة حتى يدخل هاملت. فمظاهر التقوى تجعل حتى الشيطان أكثر جمالا.
خرج أبيها برفقة الملك وتحركت هي للقاعة وفتحت كتاب الصلوات حتى دخل هاملت.
وقف هاملت يتأملها تصلي ولما فرغت من إدعائها ذهبت إليه تحادثه بألطف الكلم على عكس ما اعتادت. حادثته عن الهدايا التي تلقتها منه وكيف فقدت معانيها بفقدان كلمات الغزل التي صاحبتها التي طالما استمتعت بها وغمرتها بفرحة هزت وجدانها.
تبدل حال هاملت في الحال وانطلقت من عينيه شرارة تحرق الفتاة في غضب صارخ.
عيناه تسأل ولسانه يسمعها. أوفيليا هل أنت حقيقية وصادقة. أين كان كل ما ترويه وأنت تزدرين حبي لكي. كيف تمكنت أن تصطبغي بعدم الإكتراث هذا كما لو كنت تضعين وشاحا او صبغة مما تضعونها على وجوهكن. أم أنك فعلا لم تكوني لتكترثي لي وما هذا سوى غريزة المرأة التي حركتك عندما بعدت عنك. ليذهب للجحيم المصطبغون بالأصباغ. إن كنت عفيفة إذهبي لدير واتركي هذه البقعة النجسة. فهذا العالم لا يناسب العفيفات. فالملائكة لا تسكن الأرض.
ذهب هاملت حانقا غاضبا. تكسَّر أمامه آخر أيقونات الصدق ورموزه وأتم معركته حتى مات ناقما متحيرا من سبب نقمته هل كان بدافع شخصي أم إنتقاما من شر الأيام. بينما أوفيليا ذهبت في متاهات حزنها ولم تستمع لحكمة المجنون فدارت بها الأيام الشريرة وماتت الجميلة أوفيليا غارقة في مياه بلورية عادة ما تُحفظ بها الزهور. وبقيت أوفيليا خالدة في نفوس الفتيات.
 حالة من الصدق الكاذب ام الكذب الصادق؟. حالة من الحب الصادق أم كذب خائف؟ حالة من البراءة أم حذر خبيث.

ماتت ومات معها حب هاملت أم أنها بموتها قتلت هاملت.